الانتخابات الأمريكية- بين خياري ترامب وهاريس، صوت عربي مسلم بضمير.

بناءً على تجربتي الطويلة في الولايات المتحدة ومعرفتي بالنظام السياسي الأمريكي، يسألني الكثير من الأصدقاء هنا عن المرشح الأنسب الذي يجب على الجالية العربية والمسلمة أن تدعمه في الانتخابات القادمة.
عادةً ما يتنافس مرشحو الحزبين الكبيرين على إظهار من هو الأقدر على خدمة مصالح الكيان الصهيوني، أو تحقيق غايات أخرى تتوافق مع أهداف الإمبراطورية الأمريكية وترسيخ نفوذها.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم
"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟
غالبًا ما تضر هذه السياسات بمصالح أمريكا على المدى البعيد، وتتعارض بشكل خاص مع مصالح العرب والمسلمين، بل والعالم النامي بأسره.
لذلك، كان الخيار المعتاد هو التصويت للمرشح "الأقل ضررًا"، بدلاً من دعم مرشح قد يولي اهتمامًا حقيقيًا للقيم الإنسانية النبيلة أو مصالح الشعب والمجتمع، حتى لو لم يكن لديه فرصة كبيرة للفوز.
لكن انتخابات هذا العام تختلف اختلافًا جوهريًا.
بعد أربع سنوات عصيبة تحت حكم دونالد ترامب، وبعد مرور أكثر من عام على الإبادة الجماعية المروعة المستمرة في غزة، والتي تحظى بدعم كامل ومشاركة مباشرة وحماية شاملة من إدارة جو بايدن/كامالا هاريس، يجب أن يكون واضحًا تمامًا أن الناخب العربي والمسلم الأمريكي لا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يصوت لأي من هذين المرشحين بضمير مرتاح. هذا الموقف راسخ في المبادئ ووضوح الرؤية الأخلاقية.
قبل أن أقدم توصيتي، يجب أن نطرح سؤالًا مهمًا: هل هناك فرق حقيقي بين هاريس وترامب فيما يتعلق بالقضايا المصيرية التي تهم منطقتنا؟
بعد دراسة دقيقة لموقف كلا المرشحين من القضايا التي تؤثر في العالم العربي والإسلامي، توصلت إلى قناعة بأن الفارق بينهما ليس جوهريًا أو استراتيجيًا بالقدر الذي يبرر دعم أحدهما على الآخر.
ففيما يتعلق بحرب الإبادة الشرسة في غزة، ستدعم هاريس أهداف مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، ولكن مع فرض بعض القيود الطفيفة عليه، بينما سيقدم ترامب دعمه المطلق لأهداف نتنياهو دون أي قيود على الإطلاق. أما بالنسبة للفلسطينيين، فستتعامل معهم هاريس باعتبارهم مصدر إزعاج دائم، وستتبع معهم نهجًا خالياً من أي أفق سياسي، بينما سيتجاهلهم ترامب تمامًا وسيعاملهم بازدراء شديد.
وفيما يخص الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان، ستمارس هاريس ضغوطًا هائلة على الحكومة اللبنانية لتحقيق مصالح الكيان الصهيوني، في حين أن ترامب سيهدد لبنان بشكل مباشر لتحقيق نفس الأهداف.
وفي سياق التعامل مع الأنظمة الاستبدادية العربية، ستدعمها هاريس وتتعاون معها بهدوء وفاعلية، بينما سيحتضنها ترامب ويساندها علنًا وبحماس بالغ.
أما فيما يتعلق بالسياسات تجاه إيران، فستواصل هاريس سياسة الاحتواء والتهديد وزعزعة الاستقرار التي تتبعها أمريكا، مع التركيز على استراتيجيات الضغط القصوى، بينما سيستمر ترامب في نفس النهج الذي بدأه في ولايته الأولى، مع استخدام أقصى درجات الضغط الممكنة.
وبالنسبة لتركيا، ستمارس هاريس ضغوطًا مكثفة على أنقرة لإجبارها على تعديل سياساتها لتتوافق مع الأجندة الأمريكية، بينما قد يمارس ترامب ضغوطًا أقل حدة، لكنه سيسعى بكل الوسائل لإخضاع تركيا للأهداف الأمريكية.
وفيما يتعلق بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة، ستدلي هاريس بتصريحات رنانة حول هذه القضايا، ولكن دون اتخاذ أي إجراءات فعلية لدعمها، بينما سيتجاهل ترامب هذه المسائل تمامًا ولن يوليها أي اهتمام.
أما فيما يتعلق بمستقبل النظام الدولي، ستتصرف هاريس كما لو أن النظام لا يزال قائمًا وقادرًا على الاستمرار، وأن أمريكا قادرة على قيادته وإدارته، بينما لن يهتم ترامب بهذا النظام كثيرًا، بل وقد يتسبب دون قصد في تفككه على المدى الطويل.
بالعودة إلى الانتخابات، يمكنني تلخيص رأيي وتوصيتي في النقاط التالية:
- ترامب شخص معاد للإسلام بشكل خطير، ويكره ويستهدف المهاجرين غير الأوروبيين بشدة. لقد أظهر جهارًا عداءه وكراهيته للعرب والمسلمين في مناسبات عديدة. ومن ثم، فإن فترة حكمه ستكون كارثة بكل المقاييس، ليس فقط على الجالية العربية والمسلمة في الولايات المتحدة، بل أيضًا على معظم القضايا التي تهم العالم العربي والإسلامي وخارجه.
وبما أن ترامب قد تبنى جميع المواقف الصهيونية في ولايته الأولى، فمن المؤكد أنه لن يحد من سلوك الكيان الصهيوني الوحشي أو يوقف حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها في غزة، أو يمنع التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية إذا تم انتخابه لولاية ثانية. بل إنه قد يشجع نتنياهو وحكومته المتطرفة على مواصلة المجازر الدموية، كما حثهم خلال الحملة الانتخابية على "إكمال المهمة"؛ أي الاستمرار في حملة التطهير العرقي.
- بعد عام من الدمار الشامل الذي ألحقه الكيان الصهيوني بقطاع غزة، والآن بلبنان، وبدعم كامل ومشاركة مباشرة من إدارة بايدن/هاريس، ليس هناك أدنى شك في أن هاريس متورطة بشكل مباشر في جرائم الحرب المرتكبة ضد الفلسطينيين واللبنانيين.
لقد كان أمامها شهور طويلة لتصحيح هذه السياسات المدمرة أو تغييرها، أو على الأقل التعبير عن معارضة حقيقية لها، إلا أنها اختارت دعم استمرار الإبادة الجماعية وتبرير العدوان المستمر، على الرغم من التحذيرات المتكررة التي وجهها إليها العديد من الديمقراطيين وأفراد الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة.
يجب أن يتحمل أي سياسي يتجاهل هذه التحذيرات العواقب الوخيمة التي ستترتب على ذلك. لا يمكن لأي شخص يؤمن بالمبادئ الإنسانية العليا والقانون الدولي والقيم والمواقف الأخلاقية أن يتجاهل مثل هذه الإبادة الجماعية المروعة.
- أقر بأن إدارة ترامب الثانية ستكون كارثة على المستويين الداخلي والخارجي في العديد من القضايا التي تهم المواطنين الشرفاء والناس العاديين، بما في ذلك القضايا التي تتجاوز قضية غزة.
ولكن يجب أن ندرك أن فترة حكم ثانية لترامب قد تؤدي في الواقع إلى تسريع انهيار الإمبراطورية الأمريكية، وإجبار العديد من المواطنين والمؤسسات الاجتماعية والسياسية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وخاصة غير الجمهوريين، على التحرر من قبضة الصهاينة، وهو ما سيكون بمثابة تطور إيجابي لمستقبل الحياة السياسية في أمريكا.
إن الحياة السياسية الأمريكية في أمس الحاجة إلى بديل سياسي حقيقي وغير صهيوني. لذا، إذا تم انتخاب ترامب، فقد تكون هذه اللحظة التاريخية فرصة نادرة لظهور حركة اجتماعية وسياسية جديدة وحيوية وغير صهيونية في الولايات المتحدة.
- إذا كانت هاريس هي المرشحة المفضلة، فيجب أن تفوز دون الاعتماد على دعم الجالية العربية والإسلامية في الولايات المتحدة. يجب عليها أن تسعى جاهدة للحصول على الأصوات اللازمة للفوز في ولايات ميشيغان وبنسلفانيا وويسكونسن حتى تصبح رئيسة للولايات المتحدة دون الحصول على أصوات العرب والمسلمين الأمريكيين.
يجب على السياسيين أن يفهموا أن هناك عواقب وخيمة لتجاهل حياة البشر في خضم الإبادة الجماعية. إن حرب الإبادة في غزة ليست حدثًا عابرًا يمكن تبريره أو التغاضي عنه، بل هي جريمة مستمرة منذ أكثر من 390 يومًا؛ ليس فقط بعلم وموافقة إدارة بايدن/هاريس، ولكن بمشاركتها المباشرة ودعمها الكامل.
في تقديري الشخصي، يجب على الناخب العربي والمسلم في أمريكا، وكذلك أصحاب الضمائر الحية في جميع أنحاء البلاد، أن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، وعدم اللجوء إلى مقاطعة الانتخابات.
وينبغي اعتبار تصويتهم بمثابة بيان صارم ورسالة مدوية ضد حرب الإبادة الجماعية في غزة.
لذا، يجب عليهم إما:
- التصويت لمرشحة حزب الخضر، جيل ستاين، التي جعلت من قضية الإبادة الجماعية في غزة محورًا أساسيًا في حملتها الانتخابية.
- أو يمكنهم بدلاً من ذلك كتابة كلمة "غزة" على ورقة الاقتراع (خاصة عندما لا يظهر اسم مرشح حزب الخضر على ورقة الاقتراع). في هذه الحالة، سيعلم السياسيون والإعلاميون والنخب السياسية والاجتماعية وغيرهم أن الدم الفلسطيني واللبناني ليس رخيصًا أو مباحًا.